فصل: تفسير الآية رقم (18):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لأسعد حومد



.تفسير الآية رقم (6):

{أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (6)}
{مَّكَّنَّاهُمْ} {الأنهار} {فَأَهْلَكْنَاهُمْ} {آخَرِينَ}
(6)- يَلْفِتُ اللهُ تَعَالَى أَنْظَارَ الكُفَّارِ مِنْ قُرَيْشَ، المُكَذِّبِينَ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَرُسُلِهِ، إِلَى الأُمَمِ العَدِيدَةِ التِي كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ رُسُلَهَا، فَأَهْلَكَهُمُ اللهُ، وَكَانَ تَعَالَى قَدْ مَكَّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ أَكْثَرَ مِمَّا مَكَّنَ لِهَؤُلاءِ المُكَذِّبِينَ، وَأَمَدَّهُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ، وَجَعَلَهُمْ أَ: ثَرَ قُوَّةً وَعِمَارَةً فِي الأَرْضِ مِنْ هؤُلاءِ، وَجَعَلَ السَّمَاءَ تُمْطِرُهُمْ بِصُورَةٍ مُتَتَالِيةٍ، مَطَراً غَزِيراً (مِدْرَاراً)، وَفَجَّرَ لَهُمْ مِنَ الأَرْضِ يَنَابِيعَ وَأَنْهَاراً، اسْتِدْرَاجاً لَهُمْ وَإِمْلاءً، ثُمَّ أَهْلَكَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَخَطَايَاهُمْ، وَجَعَلَهُمْ كَأَمْسِ الدَّابِرِ. وَجَعَلَ، مِنْ بَعْدِ هؤُلاءِ الهَالِكِينَ، أَجْيَالاً أُخْرَى (قَرْناً آخَرِينَ) لِيَخْتَبِرَهُمْ، فَعَمِلُوا مِثْلَ أَعْمَالِ مَنْ كَانُوا قَبْلَهُمْ، فَاحذَرُوا أَيُّهَا المُخَاطِبُونَ أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُمَا أَصَابَهُمْ، فَمَا أَنْتُمْ بِأَعَزَّ عَلَى اللهِ مِنْهُمْ، وَأَنْتُمْ أَوْلَى بِالعَذّابِ وَمُعَاجَلَةِ العُقُوبَةِ مِنْهُمْ، لَوْلا لُطْفُ اللهِ وَإِحْسَانُهُ.
كَمْ أَهْلَكْنَا- كَثِيراً مَا أَهْلَكْنَا.
قَرْنٍ- أُمَّةٍ أَوْ جِيلٍ مِنَ النَّاسِ.
مَكَّنَّاهُمْ- أَعْطَيْنَاهُمْ مِنَ المُكْنَةِ وَالقُوَّةِ.
مِدْراراً- غَزِيراً كَثِيرَ الصَّبِّ أَوْ مَتَتَابِعاً.

.تفسير الآية رقم (7):

{وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7)}
{كِتَاباً}
(7)- يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى عَنْ عِنَادِ المُشْرِكِينَ وَتَعَنُّتِهِمْ وَمُكَابَرَتِهِمْ لِلْحَقِّ، فَيَقُولُ تَعَالَى: إنَّهُ لَوْ أَنْزَلَ عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم كِتَاباً مَسْطُوراً فِي وَرَقٍ، وَمَا أَشْبَهَهُ مِمَّا يُكْتَبُ عَلَيْهِ (قِرْطَاسٍ)، وَعَايَنُوهُ وَرَأَوْا نُزُولَهُ بِأَعْيُنِهِمْ، وَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ، لَقَالَ الكَافِرُونَ إنَّ هَذا لَسِحْرٌ وَاضِحٌ.
كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ- كِتَاباً مَكْتُوباً فِي وَرَقٍ أَوْ رَقٍّ مِمَّا يُكْتَبُ عَلَيْهِ.

.تفسير الآية رقم (8):

{وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ (8)}
(8)- وَقَالُوا: هَلا أَنْزَلَ اللهُ مَلِكاً عَلَى مُحَمَّدٍ، لِيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً، لِيَقْتَنِعُوا بِأنَّ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى الرَّسُولِ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ حَقّاً وَصِدْقاً.
وَيَرُدُّ اللهُ تَعَالَى عَلَى هَؤُلاءِ القَائِلِينَ قَائِلاً: إنَّهُ لَوْ أَنْزَلَ مَلَكاً، كَمَا اقْتَرَحُوا، وَلَمْ يُؤْمِنُوا لَقُضِيَ الأَمْرُ بِإِهْلاكِهِمْ، ثُمَّ لا يُؤَخَّرُونَ وَلا يُمْهَلُونَ لِيُؤْمِنُوا، بَلْ يَأْخُذُهُمُ العَذَابُ عَاجِلاً، كَمَا مَضَتْ بِذَلِكَ سُنَّةُ اللهِ فِيمَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ المُكَذِّبِينَ.
هَذِهِ الآيَةُ نَزَلَتْ رَدّاً عَلَى عَدَدٍ مِنَ المُشْرِكِينَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ أنْ وَعَظَ النَّاسَ وَأَبْلَغَهُمْ مَا أَمَرَهُ رَبُّهُ بِإِبْلاغِهِ إلَيْهِمْ: (لَوْ جَعَلَ مَعَكَ يَا مُحَمَّدُ مَلَكٌ يُحَدِّثُ عَنْكَ النَّاسَ، وَيُرى مَعَكَ).
لا يُنظَرُونَ- لا يُمْهَلُونَ لَحْظَةً بَعْدَ إِنْزَالِهِ.

.تفسير الآية رقم (9):

{وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (9)}
{جَعَلْنَاهُ} {لَّجَعَلْنَاهُ}
(9)- وَلَوْ جَعَلَ اللهُ تَعَالَى الرَّسُولَ مَلَكاً، لَجَعَلَهُ مُتَمَثِّلاً بِصُورَةِ رَجُلٍ مِنَ البَشَرِ، لِيَتَمَكَّنُوا هُمْ مِنْ رُؤْيَتِهِ، وَلِيَتَمَكَّنَ هُوَ مِنْ مُخَاطَبَتِهِمْ وَالحَدِيثِ مَعَهُمْ، لِيُبَلِّغُهُمْ رِسَالاتِ رَبِّهِ. وَلَوْ جَعَلَ اللهُ المَلَكَ الرَّسُولَ فِي صُورَةِ البَشَرِ لالْتَبَسَ الأَمْرُ عَلَيْهِم لاعْتِقَادِهِمْ أنَّهُ بَشَرٌ، لأنَّهُمْ لا يُدْرِكُونَ مِنْهُ إلا صُورَتَهُ وَصِفَاتِهِ البَشَرِيَّةَ التِي يَتَمَثَّلُ لَهُمْ بِهَا، كَمَا يَلْتَبِسُ الأَمْرُ عَلَيهِم الآنَ فِي قَبُولِ رَسُولٍ مِنَ البَشَرِ.
لَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ- لَخَلَطْنَا عَلَيْهِمْ وَأَشْكَلْنَا عَلَيْهِمْ حِينَئِذٍ مَا يَخْلِطُونَ عَلَى أَنْفُسِهِم اليَوْمَ.

.تفسير الآية رقم (10):

{وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (10)}
{يَسْتَهْزِءُونَ}
(10)- ويُسَلِّي اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم عَمَّا يُلاقِيهِ مِنْ عِنَادِ الكُفَّارِ وَتَكْذِيبِهِمْ، وَإِصْرَارِهِمْ عَلَى البَاطِلِ، فَيَقُولُ لَهُ: لَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ جَاؤُوا قَبْلَكَ، وَسَخِرَ مِنْهُمُ الكَافِرُونَ مِنْ قَوْمِهِمْ، وَمِنَ العِقَابِ الذِي أَنْذَرُوهُمْ بِهِ، فَعَاقَبَ اللهُ الذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ فَدَمَّرَهُم، وَنَصَرَ رُسُلَهُ وَالمُؤْمِنِينَ، وَكَانَتِ العَاقِبَةُ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الدَّنْيا وَالآخِرَةِ.
حَاقَ- أَحَاطَ أَوْ نَزَلَ.

.تفسير الآية رقم (11):

{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11)}
{عَاقِبَةُ}
(11)- قُلْ يَا مُحَمَّدُ لأُولَئِكَ المُكَذِّبِينَ المُسْتَهْزِئِينَ الجَاحِدِينَ بِمَا جِئْتَهُمْ بِهِ: سِيرُوا فِي الأَرْضِ، وَتَتَبَّعُوا أَخْبَارَ الأُمَمِ التِي عَاشَتْ فِيهَا، ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَتْ نِهَايَةُ المُكَذِبِينَ، وَعَاقِبَةُ بَغْيِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ، فَاعْتَبَرُوا بِذَلِكَ المَصِيرِ.

.تفسير الآية رقم (12):

{قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (12)}
{السماوات} {القيامة}
(12)- قُلَ يَا أَيُّها الرَّسُولُ لِقَوْمِكَ المُكَذِبِينَ الجَاحِدِينَ لِرِسَالَتِكَ، المُعْرِضِينَ عَنْ دَعْوَتِكَ: لِمَنْ هَذِهِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضُ، وَمَنْ خَلَقَها؟ وَبِمَا أنَّ مُشْرِكِي العَرَبِ كَانُوا يُقِرُّونَ بِأنَّ اللهَ هُوَ خَالِقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَأنَّه مَالِكُهَا المُتَفَرِّدُ، وَأَنَّ الخَلْقَ كُلَّهُمْ عَبيدُهُ، فَسَيَقُولُونَ: إنَّهُ اللهُ، وَهَذَا لا خِلافُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ فِيهِ، فَقُلْ لَهُمْ: إنَّ اللهَ الذِي تُقِرُّونَ بِمُلْكِهِ لِلْكَوْنِ قَدْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ بِخَلْقِهِ، إذ أَفَاضَ عَلَيْهِمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَهَا وَبَاطِنَهَا، وَمِنْ مُقْتَضَى هَذِهِ الرَّحْمَةِ أنْ لا يُعَجِّلَ العُقُوبَةَ لِلْنَّاسِ، وَأَنْ يَقْبَلَ تَوْبَتَهُمْ، إذَا تَابُوا وَعَمِلُوا أَعْمَالاً صَالِحَةً، وَأَنَّهُ سَيَجْمَعُكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ- وَهُوَ يَوْمٌ آتٍ قَرِيبٌ لا شَكَّ فِيهِ وَلا رَيْبَ- لِلْحِسَابِ وَالجَزَاءِ، لِيَنَالَ كُلَّ وَاحِدٍ الجَزَاءَ العَادِلَ عَنْ عَمَلِهِ، إنْ خَيْراً فَخَيْراً، وَإنْ شَرًّا فَشَرّاً.
وَمِنْ رَحْمَتِهِ تَعَالَى أنْ بَيَّنَ لِعِبَادِهِ هَذَا، لِيَحْذَرُوا، وَليُحْسِنُوا العَمَلَ، فَلَوْلا خَوْفُ النَّاسِ مِنَ العِقَابِ وَالحِسَابِ لَسَادَ الفَسَادُ فِي الأَرْضِ، وَلانْتَشَرَ الظُّلْمُ.
ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى أنَّ الذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الدُّنْيا بِالكُفْرِ، وَالتَّقْلِيدِ وَالتَّرَدُّدِ.. لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ، لأنَّهُمْ لا يَسْتَعْمِلُونَ عُقُولَهُمْ فِيمَا خَلَقَهَا اللهُ لَهُ مْنَ التَّفَكُّرِ وَالتَّدَبُّرِ وَالاتِّعَاظِ.
كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ- قَضَى وَأَوْجَبَ، تَفَضُّلاً مِنْهُ وَإِحْسَاناً، الرَّحْمَةَ عَلَى نَفْسِهِ الكَرِيمَةِ.
خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ- أَهْلَكُوهَا وَغَبَنُوهَا بِالكُفْرِ.

.تفسير الآية رقم (13):

{وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (13)}
{الليل}
(13)- واللهُ تَعَالَى هُوَ المُتَصَرِّفُ فِي الخَلْقِ كُلِّهٍ دَقِيقِهِ وجَلِيلِهِ، كَمَا يَشَاءُ، كَمَا هُوَ شَأْنُ الرُّبُوبِيَّةُ الكَامِلَةِ، وَجَمِيعِ مَا فِي الوُجُودِ عِبَادٌ للهِ، وَخَلْقٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَهُمْ تَحْتَ قَهْرِهِ وَسُلْكَانِهِ وَتَصَرُّفِهِ وَتَدْبِيرِهِ، وَقَدْ أَحَاطَ عِلْمُهُ بِكُلِّ شَيءٍ مِنْ حَرَكَاتِ العِبَادِ، وَمِمَّا يُسِرُّونَ فِي ضَمَائِرِهِمْ.
مَا سَكَنَ- مَا اسْتَقَرَّ وَحَلَّ.

.تفسير الآية رقم (14):

{قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14)}
{السماوات}
(14)- قُلْ لَهُمْ: إنَّنِي لا أَطْلُبُ مِنْ غَيْرِ اللهِ نَفْعاً وَلا ضَراً، وَلا فِعْلاً وَلا مَنْعاً، وَلا أتَّخَذَ غَيْرَهُ تَعَالَى وَلَيّاً لِي، فَهُوَ فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَخَالِقُهُما وَمُبْدِعُهُمَا عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَبَقَ.
وَهُوَ الذِي يَرْزُقُ العِبَادَ الطَّعَامَ، وَلَيْسَ هُوَ بِحَاجَةٍ إلَى مَنْ يَرْزُقُهُ وَيُطْعِمُهُ، لأنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنِ الحَاجَةِ إلى كُلِّ مَا سِوَاهُ، وَقُلْ لَهُمْ بَعْدَ أَنِ اسْتَبَانَتْ لَهُمُ الأَدِلَّةُ عَلَى وُجُوبِ عِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ: لَقَدْ أَمَرَنِي رَبِّي، جَلَّ شَأْنُهُ وَعَلا، أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ، وَانْقَادَ لأَمْرِهِ، مِنْ تِلْكَ الأُمَّةِ التِي بُعِثْتُ فِيهَا، فَلا أَدْعُو إلَى شَيءٍ إلا كُنْتُ أَنَا أَوْلَ مَنْ آمَنَ بِهِ، وَقَدْ أَمَرَنِي رَبِّي بِألا أَكُونَ مِنَ المُشْرِكِينَ الذِينَ اتَّخَذُوا أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ لِيُقَرِّبُوهُمْ إِلَيْهِ زُلْفَى.
وَلِيّاً- مَعْبُوداً وَنَاصِراً وَمُعِيناً.
فَاطِرِ- خَالِقِ وَمُبْدِعِ.
هُوَ يُطْعِمُ- هُوَ يَزْرُقُ عِبَادَهُ.
مَنْ أَسْلَمَ- مَنْ خَضَعَ للهِ بِالعُبُودِيَّةِ وَانْقَادَ لَهُ.

.تفسير الآية رقم (15):

{قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15)}
(15)- وَقُلْ لَهُمْ: إنِّي لا أَعْصِي رَبِّي لأَنَّنِي أَخَافُ إنْ عَصَيْتُ أَوَامِرَهُ أَنْ يَمَسَّنِيَ العَذَابُ الأَلِيمُ فِي يَوْمِ القِيَامَةِ، وَهُوَ يَوْمٌ عَظِيمٌ لا تَنْفَعُ فِيهِ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ.

.تفسير الآية رقم (16):

{مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (16)}
{يَوْمَئِذٍ}
(16)- وَمَنْ يُحَوَّلُ عَنْهُ العَذَابُ فِي ذلِكَ اليَوْمِ العَصِيبِ (يُصْرَفْ عَنْهُ)، فَيَكُونُ اللهُ تَعَالَى قَدْ رَحِمَهُ، وَأَدْخَلَهُ الجَنَّةً، وَإِنَّ النَجَاةَ فِي ذلِكَ اليَوْمِ العَظِيمِ مِنَ العَذَابِ، ثُمَّ دُخُولَ الجَنَّةِ، هُمَا الفَوْزُ الذِي لا فَوزَ أَعْظَمُ مِنْهُ.
صُرِفَ عَنْهُ- جُنِّبَهُ وأُبْعِدَ عَنْهُ.

.تفسير الآية رقم (17):

{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17)}
(17)- يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى أنَّهُ مَالِكُ الضَّرِّ وَالنَّفْعِ، وَأَنَّهُ المُتَصَرِّفُ فِي خَلْقِهِ بِمَا يَشَاءُ، لا مُعَقِّبَ عَلَى حُكْمِهِ، وَلا رَادَّ لِقَضَائِهِ، فَإِذا أَرَادَ اللهُ أَنْ يُصِيبَكَ خَيرٌ فَهُوَ القَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ، وَلا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أنْ يَرُدَّ مَا قَدَّرَهُ، فَعَلَى المُؤْمِنِ الصَّادِقِ أنْ لا يَسْأَلُ فِي الشَّدَائِدِ غَيْرِ اللهِ، لأنَّ مَنْ دُونَهُ لا يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ، وَلا لِغَيْرِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرّاً.

.تفسير الآية رقم (18):

{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18)}
(18)- وَهُوَ الذِي خَضَعَتْ لَهُ رِقَابُ العِبَادِ، وَذَلَّتْ لَهُ الجَبَابِرَةُ، وَقَهَرَ كُلَّ شَيءٍ، وَدَانَتْ لَهُ الخَلاِئِقُ، وَهُوَ الحَكِيمُ فِي جَمِيعِ أَفْعَالِهِ، فَلا يَقَعُ فِي تَدْبِيرِهِ خَلَلٌ، وَهُوَ الخَبِيرُ بِمَوَاضِعِ الأَشْيَاءِ وَمَحَالِّهَا، فَلا يُعْطِي إِلا مَنْ يَسْتَحِقُّ، وَلا يَمْنَعُ إلا عَمَّنْ يَسْتَحِقُ المَنْعَ عَنْهُ.
القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ- المُسَيْطِرُ عَلَيْهِمْ.

.تفسير الآية رقم (19):

{قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (19)}
{شَهَادةً} {القرآن} {أَئِنَّكُمْ} {آلِهَةً} {وَاحِدٌ}
(19)- يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم بِأنْ يَسْأَلَ كُفَّارَ قٌرَيشٍ عَنْ أَيِّ شَهَادَةٍ هِيَ أَكْبَرُ وَأَعْظَمُ، وَأَجْدَرُ بِأنْ تَكُونَ أَصَحَّ الشَّهَادَاتِ وَأَصْدَقَها؟ ثُمَّ يَأْمُرُهُ بِأنْ يُجِيبَ عَلَى هَذا السُّؤَالِ: بِأنَّ أَكْبَرَ الأَشْيَاءِ شَهَادَةً هُوَ مِنْ لا يَجُوزُ أنْ يَقَعَ فِي شَهَادَتِهِ كَذِبٌ وَلا خَطَأٌ وَلا زُورٌ، وَهُوَ اللهُ تَعَالَى، وَهُوَ الشَّهِيدُ بَيْنِي وَبَيْنَكُم، وَهُوَ الذِي أَوْحَى إليَّ هَذا القُرْآنَ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ عِقَابَهُ عَلَى تَكْذِيبِي فِيمَا جِئْتُكُمْ بِهِ، مُؤَيَّداً بِشَهَادَةِ اللهِ سُبْحَانَهُ، وَأُنْذِرَ كُلَّ مَنْ بَلَغَهُ هَذَا القُرْآنُ، لأنَّ كُلَّ مَنْ بَلَغَهُ فَهُوَ مَدْعُوٌ إلى اتِّبَاعِهِ حَتَّى تَقُومَ القِيَامَةُ. وَشَهَادَتُهُ تَعَالَى هِيَ شَهَادَةُ آيَاتِهِ فِي القُرْآنِ، وَآيَاتِهِ فِي الأنْفُسِ وَالأَكْوَانِ، وَآيَاتِهِ فِي العَقْلِ وَالوِجْدَانِ.
وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «بَلِّغُوا عَنِ اللهِ فَمَنْ بَلَغَتْهُ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللهِ فَقَدْ بَلَغَهُ أَمْرُ اللهِ».
ثُمَّ أَمَرَ تَعَالَى رَسُولَهُ بِأَنْ يَقُولَ لِهَؤُلاءِ المُشْرِكِينَ: إنْ كُنْتُمْ تَشْهَدُونَ أنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرَى، فَأَنَا لا أَشْهَدُ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ إلهٌ وَاحِدٌ، خَلَقَ كُلَّ شَيءٍ، وَخَضَعَ لَهُ كُلَّ شَيءٍ فِي الوُجُودِ، وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ بِهِ مِنَ الأَصْنَامِ وَالأَنْدَادِ وَالأَوْثَانِ.
مَنْ بَلَغَ- مَنْ بَلَغَهُ القُرْآنُ إلى قِيَامِ السَّاعَةِ.